إقتصادمنوعات

تأثير المؤسسات العسكرية على الاقتصاد الأميركي

خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، عانت أمريكا من أزمة اقتصادية حادة بلغت ذروتها في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كان الاقتصاد الأمريكي على حافة الانهيار، عام 1939، وعلى الرغم من الجهود العديدة التي اتخذها السياسيون الأمريكيون وتبنيهم سياسات اقتصادية مختلفة، بلغ عدد العاطلين عن العمل آنذاك أكثر من 15 مليوناً، وكان الناس يعيشون في ظروف صعبة للغاية، في ذلك الوقت بدأت الحرب العالمية الثانية بقيادة هتلر وبدعم أمريكي، ومنذ بداية الحرب، تكفّلت أمريكا بتأمين السلاح المطلوب لجميع الدول المشاركة في الحرب إلى جانبها، وفي سبيل ذلك قامت بتحويل كل خطوط إنتاجها نحو إنتاج الصناعات العسكرية. وخلال تلك الفترة، أعادت أمريكا فتح عدد من المصانع المغلقة لتوفير الطعام والملابس التي يحتاجها الجنود المشاركون في الحرب ما أدّى إلى خلق فرصة عمل لملايين الأشخاص العاطلين عن العمل.

وبفضل هذه المصانع استطاع الاقتصاد الأمريكي أن ينجو من الانهيار والسقوط، لكن ذلك أتى على حساب الملايين الذين قتلوا وشردوا في الحرب، ومنذ تلك السنة وإلى يومنا هذا فإنّ أي حرب تبدأ في العالم تدل على أمرين أولاً أن أمريكا هي التي بدأتها، وثانياً أنها راعية لأحد أطراف الحرب والداعم العسكري له، ويعد استمرار اتباع أمريكا لهذه السياسة على مرّ العصور سبباً رئيساً في حماية وتطوّر واشنطن.

1- زيادة الآلة العسكرية الأمريكية:

على الرغم من أن النزعة العسكرية هي سمة متأصلة في النظام الرأسمالي، فقد عملت الحكومات الأمريكية المتعاقبة على تعزيز اقتصادها من خلال تطوير العمل العسكري، وحذّر آيزنهاور في خطابه الوداعي في 17 يناير 1961 أمريكا من خطر المجمّع الصناعي العسكري، وهو الاعتماد الثنائي الذي تطوّر خلال الحرب العالمية الثانية بين القاعدة الصناعية لأمريكا وتركيبتها العسكرية، ويحذّر الرئيس الأمريكي أيزنهاو، البالغ من العمر أربعة وثمانين عاماً، من التأثير الهائل للوحدة العسكرية الكبرى على جميع أجزاء الحكومة الفيدرالية منذ حوالي 57 عاماً، وهو دليل آخر وواضح على أنّ الجهاز العسكري لديه نفوذ كبير في البلاد، وعلى الطرف المقابل يرى هارولد بوران، وزير الدولة لشؤون الدفاع في بيان أمام لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ: “أظهر بحثنا أن الإنفاق العسكري على المدى الطويل مفيد للاقتصاد المدني، لأن معظم التكاليف الإضافية تشجّع الإنتاج المحلي وهي تتطلب أكبر رأس مال وتكنولوجيا “، من هنا نرى أهمية القطاع العسكري على الاقتصاد الأمريكي.

وبحسب المحللين لن تنتهي هذه الجهود في القرن العشرين أيضاً، بل ستتواصل كل يوم حتى تتجاوز ميزانية أمريكا لعام 2017 مبلغ 3.65 تريليونات دولار أمريكي من الإنفاق العسكري، حوالي 15٪ منها تبلغ حوالي 543 مليار دولار ميزانية الدفاع الوطني الخاصة بأمريكا وبهذه الأرقام تكون أمريكا على رأس قائمة الدول في العالم التي لديها أعلى إنفاق عسكري في الميزانية لتعكس الدور المرتفع للعسكرة الأمريكية في المجال الداخلي والخارجي.

2- الحجج الداعمة لوجود القوات العسكرية الأمريكية في القطاع الاقتصادي

أولاً- توسيع القشرة العسكرية: إحدى النظريات المحافظة أو الكلاسيكية الجديدة أو النيوليبرالية التي أثيرت في مناقشات السياسة الاقتصادية هي نظرية توسيع القشرة العسكرية للاستثمار في الشؤون المدنية الخاصة.

ثانياً- الروابط العسكرية مع الاقتصاد: الحجة الثانية في هذا الصدد هي نظرية العلاقة العسكرية الاقتصادية التي تجري مناقشتها في قسمين:

أ- دور الاقتصاد في الحرب: هناك علاقة وثيقة بين مسألة الحرب وموضوع الاقتصاد، حيث إن الاقتصاد القوي هو عامل حاسم في القوة العسكرية للبلاد، وله أثر على تطوير القوة الإنتاجية للبلد وخاصة في ابتكار أسلحة حربية أكثر تطوراً.

ب- الإمكانات الاقتصادية – العسكرية: ويقول الخبراء العسكريون هنا إنه كلما زادت الإمكانيات الاقتصادية للبلد، زادت القوة العسكرية لذلك البلد والعكس صحيح.

3- تقرير المجلس التشريعي الوطني الأمريكي

وفقاً للتقرير الذي صدر مؤخراً عن الجمعية التشريعية الوطنية الأمريكية، في فبراير 2017 والذي حمل عنوان “تأثير القوات العسكرية على اقتصاد الدولة”، خلص إلى أن وجود القوات العسكرية في القطاع الاقتصادي أدّى إلى نمو اقتصادي كبير لأمريكا، وإذا أرادت الاستمرار بذلك عليها بيع المزيد منها.

4- سلاح المهندسين في الجيش الأمريكي

بالإضافة إلى الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدولة في سبيل تطوير اقتصادها، بذلت الحكومة الفيدرالية، جهداً خاصاً في سبيل إنشاء قسم من أنظمتها العسكرية تحت اسم “فيلق مهندسي الجيش الأمريكي”، وذلك من أجل زيادة وجود المزيد من القوات العسكرية في مجالها الاقتصادي والمساهمة في تطويره.

ختاماً، يمكن الاستنتاج من البحث أعلاه أن “العسكرة” و “العسكرية” جوانب لا يمكن إنكارها عند أمريكا، فهي تتمتع بنظام عسكري يختبئ خلف ستار الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 معظم الرؤساء الأمريكيون لديهم فكر عسكري، كما أن القادة العسكريين هم من المؤثرين على السياسة الخارجية الأمريكية، والتي يسعى من خلالها هؤلاء إلى السيطرة على دول العالم، ومن الواضح أنهم سيظلون يبحثون دائماً عن مصالحهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ولن يدّخروا أي جهد في سبيل تحقيق ذلك ولو على حساب دماء الأبرياء.

المصدر: الوقت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى