لماذا يريد الاتحاد الأوروبي ضم دول البلقان إلى صفوفه؟
في الوقت الذي يرفض الاتحاد الأوروبي ضم تركيا إلى صفوفه، بدأت محادثات في البرلمان الأوروبي لضم عدد من دول البلقان من بينها ألبانيا ومقدونيا للدخول في عضوية الاتحاد.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغريني” إن المفوضية الأوروبية عرضت على الدول الأعضاء فتح مفاوضات انضمام ألبانيا ومقدونيا إلى التكتل.
والسؤال المطروح: لماذا أعطى الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لانضمام ألبانيا ومقدونيا إلى صفوفه، بينما يضيء الأحمر بوجه تركيا؟
الإجابة عن هذه التساؤلات تكمن بمعرفة الحقائق التالية:
– تحظى منطقة البلقان بشكل عام بأهمية خاصة من الناحية الجيوبوليتيكية باعتبارها تربط بين شمال أوروبا وجنوبها، وبين الدول المطلّة على بحر البلطيق والبحر الأبيض المتوسط، كما تربط هذه المنطقة بين شرق أوروبا والعديد من دول شمال غرب آسيا.
– عانت أوروبا من آثار الحروب التي شهدتها شبه جزيرة البلقان خصوصاً في تسعينات القرن الماضي، ومن خلال السعي لضم دول هذه المنطقة إلى الاتحاد الأوروبي يمكن ضمان الاستقرار ولو بشكل نسبي لعموم القارة الأوروبية.
– يخشى الأوروبيون أن تعزز روسيا نفوذها في البلقان من خلال تقديم خدماتها لدولها كشريك بديل عن الاتحاد الأوروبي، ومن الواضح أن لدى روسيا مصلحة في منع دول البلقان من الانضمام إلى عضوية الاتحاد الذي يعدّ دافعاً أكبر لقيام الأخير بزيادة مشاركته في المنطقة.
– يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال ضم دول البلقان للسيطرة على كامل ساحل البحر الأدرياتيكي المعروف بأهميته الاستراتيجية، فيما تخشى روسيا من أن يتحول البلقان لذراع لحلف شمال الأطلسي “الناتو” في هذه المنطقة. وتعارض موسكو توسع الناتو في أوروبا الشرقية باعتبارها جزءاً من المجال الاستراتيجي للمصالح الروسية.
– تحظى البلقان بأهمية استراتيجية للاتحاد الأوروبي باعتبار أن هذه المنطقة تمثل خط عبور الغاز الروسي إلى الغرب الأوروبي، وفي حال انضمام دول البلقان إلى الاتحاد يمكن للأخير أن يتحكم بمصير هذا الخط في المستقبل، وبالتالي التأثير على قرار موسكو في هذا المجال.
– يمثل انضمام دول البلقان ومن بينها ألبانيا ومقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي مكسباً اقتصادياً نظراً للدور الكبير الذي تلعبه هذه الدول في ازدهار السياحة والاصطياف واتساع حركة الموانئ المطلة على البحر الأدرياتيكي والبحر الأبيض المتوسط.
أمّا الإجابة عن التساؤل الثاني وهو: لماذا يرفض الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا إلى صفوفه؟ فيمكن تلخيصها بما يلي:
– “العثمانوفوبيا” أو “الإسلام فوبيا” المترسبة في نفوس الأوروبيين لدرجة أنهم يعتبرون تركيا امتداداً لدولة “الخلافة الإسلامية”، وهذا بحدّ ذاته يشكل خطراً على الاتحاد الأوروبي، بحسب الكثير من أعضائه.
– العنصر الديموغرافي لتركيا المتمثل بحوالي 80 مليون نسمة، وهو ما يعطيها ثقلاً كبيراً على الصعيد البشري، ويؤدي في حال انضمامها للاتحاد الأوروبي إلى التغلغل في دول الاتحاد التي يعاني معظمها من نقص في السكان.
– الهوية الإسلامية للشعب التركي وهو ما تخشى منه الدول الأوروبية ولاسيّما أن هناك دراسات كثيرة تشير إلى تزايد كبير في أعداد المعتنقين للدين الإسلامي في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وهي دول رئيسية ومحورية في أوروبا.
– انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يجعلها ثاني أكبر عضو في الاتحاد، وهذا الأمر يعطي لأنقرة عدداً كبيراً من الممثلين داخل البرلمان الأوروبي في حالة قبول انضمامها للاتحاد، وهو ما يثير المخاوف لدى دول الاتحاد من أن تتحول القضايا الإسلامية إلى قضايا أوروبية نظراً لأن الديانة الرئيسية في تركيا هي الإسلام.
– يتوقع البعض أن انضمام تركيا للاتحاد سوف يدفع بعدد كبير من المهاجرين الأتراك إلى بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا للبحث عن فرص عمل في هذه الدول، وبما أن العمالة التركية تعتبر رخيصة فسوف يساعد هذا على تدني الأجور في دول الاتحاد وزيادة معدلات البطالة.
– يطالب الاتحاد الأوروبي تركيا بالاعتذار رسمياً عمّا يعرف بقضية الإبادة الجماعية للأرمن في عام 1915، الأمر الذي ترفضه أنقرة وتؤكد بأنها لا صلة لها بهذه الحادثة، وتمثل قضية الأرمن أحد الملفات الشائكة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا التي تسعى جاهدة للحصول على عضوية الاتحاد.
– يحمّل الاتحاد الأوروبي تركيا مسؤولية إغلاق موانئها بوجه سفن قبرص واليونان وهما من الدول الأعضاء في الاتحاد.
– يتهم الاتحاد الأوروبي تركيا بمحاولة السيطرة على المناطق الكردية في شمال سوريا، في وقت يسعى فيه الاتحاد إلى إقامة “حكم ذاتي” للأكراد في تلك المناطق في إطار مساعي “الناتو” الذي تقوده أمريكا لتقسيم سوريا.
– تُبنى مواقف الاتحاد الأوروبي عادةً على رواسب تاريخية وأيديولوجية، ولايزال حصار العثمانيين لفيينا (في 1529 و1683) عالقاً في الأذهان ويعدّ واحداً من أهم مفاصل التاريخ الأوروبي التي لم يتم تجاوزها.
هذه الأسباب وغيرها هي التي تقف وراء رفض الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا إلى صفوفه، ورغم دعم بريطانيا لأنقرة في هذا المجال إلّا أن خروج الأولى من الاتحاد في إطار ما يعرف باسم عملية “بريكست” سيضعف موقف تركيا ويجعل من الصعب جدّاً إن لم نقل مستحيلاً تحقق الانضمام، خصوصاً إذا تم انسحاب بريطانيا من الاتحاد بشكل نهائي في آخر المطاف.
المصدر: الوقت