خطابات قائد الثورة

كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات الميدانية والسياسية 2019 – 1440هـ

أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيها الإخوة والأخوات:                        

  السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

قبل أن ندخل في العناوين الرئيسية لكلمتنا اليوم، لا يفوتنا أن نتوجه بالشكر والتقدير لأبناء شعبنا العزيز على المستوى الرسمي والشعبي في تضامنهم الكبير والواسع بعد ارتكاب تحالف العدوان جريمة الاغتيال للشهيد العزيز إبراهيم بدر الدين الحوثي، وقد وصلتنا الكثير من برقيات العزاء والمواساة من الجهات الرسمية والشعبية والنخب في بلدنا، كما وصلتنا الكثير والكثير من برقيات العزاء والمواساة من مختلف بلدان العالم الإسلامي (في البلدان العربية، وفي غير البلدان العربية)، البعض منها من جهات رسمية، البعض منها من نخب، من قيادات، من شخصيات علمائية… من مختلف الفئات والمكونات الحرة في عالمنا الإسلامي وفي الوطن العربي، أتوجه إلى الجميع بالشكر وبالتقدير، كما لا يفوتنا أن نعلق على هذه الجريمة التي ارتكبها تحالف العدوان في سياق جرائمه اليومية التي يرتكبها بحق أبناء شعبنا العزيز، فلا يمر يوم إلا ويرتكب فيه تحالف العدوان جريمةً هنا أو هناك، يقتل فيها من أبناء هذا الشعب: من رجاله، من نسائه، من أطفاله، من كباره، من صغاره، يدمر المساكن، يستهدف المنشآت والمصالح العامة، فتحالف العدوان اعتمد على السلوك الإجرامي كسلوك أساسي في عدوانه على بلدنا اليمن منذ بداية العدوان وإلى اليوم ونحن في العام الخامس.

لكننا نقول: إنَّ كل ما يرتكبه تحالف العدوان من جرائم بحق شعبنا العزيز، وبأي شكلٍ من أشكال الاستهداف: بالطيران، أو بالاغتيال… أو بأي شكلٍ من أشكال الاستهداف، وبأي وسيلةٍ من الوسائل التي يمتلكها وينفذ بها جرائمه، لن يؤثر على صمود شعبنا، وعلى تماسكه، وعلى قوة إرادته، وعلى عزمه، وعلى تصميمه في تحقيق الاستقلال التام، وعلى قوة معنوياته التي تزداد كلما ازدادت الجرائم التي يرتكبها تحالف العدوان بحقه.

كما أنَّ هذه الجريمة لا تمثِّل انجازاً لصالح تحالف العدوان، الشهيد إبراهيم بدر الدين الحوثي -رحمة الله عليه- كان يعيش وضعاً طبيعياً كمواطنٍ يمني، لم يكن يتحرك بحماية أمنية، ولا بمواكب أمنية، وكان يتحرك بشكلٍ واسع بحسب طاقاته وقدراته في الأنشطة ذات الطابع الخيري والاجتماعي، اهتماماته وأنشطته منذ بداية العدوان وإلى اليوم هي في هذا الاتجاه: في الاتجاه الخيري والإنساني والاجتماعي، وهو كان يعيش وضعاً طبيعياً كمواطنٍ يمني، ويتحرك بشكلٍ طبيعي، العدوان رأى فرصة في هذا؛ فعمد إلى استهدافه، وحاول أن يصوِّر ذلك على أنه يمثِّل إنجازاً واختراقاً. وليس الأمر كذلك، إنما هي جريمة أضافها إلى جرائمه الكثيرة جداً بحق هذا الشعب العزيز.

أمَّا الشهيد -رحمة الله عليه- فهو بشهادته مع سائر الشهداء من أبناء هذا البلد، وهم كثيرون، الكل يقدم الشهادة على إفلاس تحالف العدوان، ولجوئهم إلى ارتكاب المجازر والقتل والإبادة كوسيلة يعتمدون عليها نتيجةً للفشل والإخفاق الذي يعانون منه، والذي بسببه لم يصلوا إلى نتيجة لتحقيق أهدافهم المشؤومة والخطيرة.

كما أن هذه التضحيات التي يقدمها شعبنا العزيز وما يعاني منه شعبنا وما يقدمه من عطاءٍ عظيمٍ وواسع ثمرته- بإذن الله سبحانه وتعالى- النصر، وعاقبته- بإذن الله سبحانه وتعالى- أن يصل شعبنا العزيز إلى تحقيق ما يسعى إليه من استقلالٍ تام، وحريةٍ تامة، وأن يحافظ على عزته وكرامته، وأن يصون حريته، وأن يؤسس لمستقبلٍ واعدٍ إن شاء الله تعالى.

لدينا في كلمتنا اليوم ثلاثة عناوين رئيسية:

العنوان الأول الحديث عن العملية العسكرية المهمة التي نفذها الطيران المسيَّر اليوم: وهي أكبر عملية للطيران المسيَّر، تستهدف تحالف العدوان في العمق السعودي منذ بداية العدوان وإلى اليوم، حيث نفَّذت هذه العملية عشر طائرات مسيَّرة، بقدرات تدميرية جيدة، واستهدفت مصفاة الشيبة، هذه المصفاة التي تقع في حقلٍ نفطي بالقرب من حدود المملكة مع الإمارات، وتبعد عن اليمن من أقرب نقطة حدودية مسافة ألف كيلو ومائة كيلو، يعني: مسافة بعيدة جداً، فهي عملية في العمق، ومن مسافة بعيدة، وبعشر طائرات مسيَّرة بقدرة تدميرية جيدة، كما أنها على مقربة من حدود الإمارات، وفي هذا- أيضاً- درس مشترك، وإنذار مهم، وتنبيه مهم، وفي نفس الوقت تستهدف منشأةً نفطيةً ذات مخزون نفطي كبير، ويعتمد عليها النظام السعودي في تخزين النفط كمصفاة، بعملها وبطبيعة عملها كمصفاةٍ للنفط، ذات مخزون كبير، يعني: تعتبر من أكبر المصافي للنفط بالنسبة للنظام السعودي، إن لم تكن هي الأكبر فهي من أكبرها، ومن أكثرها اتساعاً لمخزون هائل، وفي نفس الوقت هو استهداف ضمن العمليات التي أكَّدنا على أنها ستركِّز على الضرع الحلوب الذي يعتمد عليه الأمريكي، والذي يمثِّل عاملاً من أهم العوامل للدور الأمريكي في هذا العدوان على شعبنا العزيز؛ لأنه يرى في التحالف السعودي في النظام السعودي أنه بقرة وحلوب؛ وبالتالي يحلبه باستمرار، ويرى باستمرار العدوان استمرار أكبر فرصة لعملية الحلب التي قد لا يجد فرصةً مماثلةً لها في ظل وضعيةٍ مستقرةٍ وآمنة.

هذه العملية المهمة والتي هي الأكبر بالطائرات المسيَّرة ومنذ بداية العدوان، ونحن في العام الخامس، في الوقت الذي كانت دول العدوان، وكان تحالف العدوان يتباهى- منذ وقتٍ مبكر في عدوانه- أنه قد حقق هدفاً يقدِّمه على أنه من أكبر أهدافه في تدمير قدراتنا العسكرية كشعبٍ يمني، وفي أنه سيصل بنا إلى حالة الانهيار التام؛ ليصل إلى هدفه المشؤوم باستسلام هذا الشعب، وباحتلال هذا البلد، ولكنه اليوم- وهو في العام الخامس- إنما يشاهد الضربات الأكبر التي تتوجه إليه، والصفعات القوية والشديدة، واللكمات القاتلة والموجعة جداً نتيجةً لاستمراره في هذا العدوان الغاشم، هذا العدوان الذي هو بغير حق.

والرسائل التي تقدِّمها هذه العملية المهمة (التي يطلق عليها عملية توازن الردع) رسائل مهمة جداً: هي أنَّ تحالف العدوان كلما استمر في عدوانه لن يصل إلى تحقيق هدفه، بل ستكون النتائج عكسية، استمراركم في العدوان أولاً لن يُخضع لكم الشعب اليمني، ولن يدفعه للاستسلام لكم مهما ارتكبتم من الجرائم، مهما دفعت للأمريكي من الأموال في سبيل أن يزودكم بالسلاح وأن يشرف على هذا العدوان ويديره، لن يحقق لكم هذا الهدف، استمراركم في العدوان لن يحطم هذا الشعب اليمني، ولن يشل من قدراته، ولن يصل به إلى الاستسلام والانهيار التام أبداً، هو شعب متماسك، وشعب صامد، ويستند في صموده وتماسكه إلى إيمانه، استمراركم في العدوان لن يدمِّر القدرة العسكرية لهذا الشعب وهذا البلد، إنما سيساهم في أن تتطور هذه القدرات أكثر فأكثر من واقع الحاجة، من واقع الظروف الملحة جداً، كذلك استمراركم في العدوان لن يحقق لكم الأمن ولا الاستقرار، بل يشكِّل عليكم- هو بحد ذاته- الخطر الأكبر، أنتم تجرون البلاء على أنفسكم، وتصنعون المشكلة لأنفسكم، وأنتم تخسرون الأمن حتى في عمقكم؛ بسبب استمراركم في هذا العدوان، وهكذا استمراركم في العدوان لن يحقق لكم الطموحات في الزعامة الإقليمية؛ إنما سيبعدكم عن ذلك أكثر فأكثر، والخسارة الكبيرة التي تزداد يوماً بعد يوم بسبب استمراركم في هذا العدوان هي تشمل كل شيءٍ مهم بالنسبة لكم، هي تؤثر عليكم على مستوى وضعكم الاقتصادي، حيث يستغل الأمريكي وغير الأمريكي دول أخرى كذلك تستغل هذا التهور وهذا الاندفاع من جانبكم في هذا العدوان، وتحلبكم بشكلٍ رهيب، ونحن نقول يعني ربما يوماً من الأيام يجف هذا الضرع والكل يحلبه، إنما اليد الطولى في عملية الحلب هي للأمريكي بلا شك، ولكن كلٌ يحاول أن يشارك ولو من طرف الضرع ولو كلاً بقدر ما يتمكن، فعلى المستوى الاقتصادي أنتم تخسرون وتخسرون وتخسرون، والوضع الاقتصادي يتأثر بشكلٍ كبير وبشكلٍ واضح، والذي وصل إلى درجة التأثير السلبي على معيشة الشعب في الجزيرة العربية، في الكل المناطق في السعودية الشعب بدأ يتضرر بشكلٍ كبير، الإمكانات والقدرات الاقتصادية لديكم ستكون متضررة بالتأكيد وتتضرر أكثر فأكثر، عملية الاستنزاف لكم على المستوى الاقتصادي ممن هب ودب هي هائلة جداً، وأنتم تتهورون وتدفعون بدون مبالاة ولا رشد، لا تمتلكون شيئاً من الرشد، لا تمتلكون الأهلية للتصرف، حتى التصرف المالي.

على المستوى الأمني ستخسرون باستمراركم في العدوان، كما قلنا هذا يشكِّل خطورةً عليكم، على المستوى السياسي ستخسرون، على المستوى الاجتماعي في المملكة ستخسرون، على مستوى سمعتكم في كل أنحاء العالم، والتي باتت أسوأ سمعة لأي دولة أو كيان في هذا العالم بكله، أنتم خسرتم، ولذلك المصلحة الحقيقية، الموقف الصحيح الرشيد الحكيم: هو أن توقفوا عدوانكم على بلدنا وعلى شعبنا؛ لأنه لا حق لكم في هذا العدوان، لا مشروعية لعدوانكم، لا مبرر لكم في هذا العدوان، لو كانت المسألة مسألة أمنية، وأنكم قلقون على أمنكم، كان بإمكانكم أن تحصلوا على الأمن والاستقرار في مقابل الأمن والاستقرار، أن نحظى نحن كشعبٍ يمني بالأمن والاستقرار، وأن تكفوا أنتم عن تدخلاتكم بمؤامراتكم الشيطانية التي دمَّرت هذا البلد، التي تستغل كل المشاكل والأزمات في هذا البلد؛ لتغذي من خلالها الصراعات، ولتمول من خلالها المشاكل الكبيرة والنزاعات الكبيرة، كان بإمكانكم أن تتعاملوا مع هذا الشعب على مبدأ حسن الجوار، وعلى مبدأ العلاقة القائمة على الأخوة، وعلى المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهنا كنتم ستحظون بالأمن وتحظون بالاستقرار، ولن يشكِّل عليكم هذا البلد أي تهديدٍ وخطر طالما كنتم أنتم تكفون شركم عن هذا البلد، كانت هذه هي الطريقة الصحيحة؛ أما تصرفاتكم، أما إجرامكم وعدوانكم، أما تدخلاتكم التي وصلت إلى حد الانتهاك لسيادة هذا البلد، ولاستقلال هذا البلد، فهي لن تفيدكم، ولن تحقق لكم لا أمناً ولا استقراراً، ولن تمكنكم من طموحاتكم في السيطرة التامة على أبناء هذا البلد، ولا في تعزيز نفوذكم في بقية العالم الإسلامي (في الوطن العربي، وفي غير الوطن العربي).

ولذلك نحن نؤكِّد أنَّ كل عملياتنا العسكرية بكل أشكالها: بالصاروخية والمسيَّرة، وفي البر والبحر والجو، إنما تأتي في سياق حقنا المشروع في الرد على عدوانكم، والرد على جرائمكم، والعمل لإقناعكم بالكف عن عدوانكم المتهور والعبثي والإجرامي والمفلس، والذي لن يوصلكم إلى نتيجة صحيحة، إنما أضراره كبيرة.

العنوان الثاني الذي نتحدث فيه في هذه الكلمة: يتعلق بالتطورات الأخيرة في عدن: وطبعاً التطورات الأخيرة هي واحدة ومحطة فقط من محطات كثيرة وخطوات كثيرة تحصل، ولها ارتباطها الواضح بتحالف العدوان كجزء من مؤامرات تحالف العدوان على هذا البلد، منذ البداية كنا نقول- وهذا واضحٌ للناس إلَّا من في قلبه مرض، وعلى بصره غشاوة وإلا المسألة واضحة وضوح الشمس- كنا نقول دائماً الهدف الرئيسي لهذا العدوان على بلدنا اليمن: هو لاحتلال هذا البلد، وتجزئته، وتقسيمه، والسيطرة التامة عليه: (السيطرة على الإنسان، والسيطرة على الجغرافيا، والسيطرة على الثروة)، وهذا واضحٌ جداً، ولكن نؤكد حقيقةً مهمة جداً هي: أن الأحقاد والأطماع والإفلاس على المستوى الإنساني، وعلى المستوى الأخلاقي، وانعدام الشعور بالهوية الوطنية لدى بعضٍ من المكونات والقوى في هذا البلد أعمتهم، إضافةً إلى الغباء السياسي، حيث جعلوا من أنفسهم أداةً لخدمة تحالف العدوان وقفازاً يستغله ليجعل منه غطاءً لعدوانه، وليجعل مما يسميه هو بالشرعية- وليست بشرعية- عنواناً رئيسياً يغطي به حقيقة أهدافه من هذا العدوان، وتلك القوى التي ارتبطت بهذا العدوان: بعض الأحزاب (كحزب الإصلاح)، بعض القوى في البلد، مثل: الحراك، أو بعض الحراك، والمسمى  الصحيح المجلس الانتقالي؛ لأن الحراك الأصلي له موقف آخر، المجلس الانتقالي، وحزب الإصلاح، وجماعة عبد ربه، وما أشبهها من المكونات الصغيرة والقوى الصغيرة التي آثرت واختارت لنفسها أن تقف مع الأجنبي في عدوانه على شعبها وبلدها كل تلك القوى وكل تلك الفئات التي ارتكبت الخيانة الوطنية بحق هذا الشعب وبحق هذا البلد دفعتها أحقادها؛ لتصفية حساباتها مع القوى الأخرى في هذا البلد، وأطماعها في أن تحصل على مكاسب سياسية ومادية تحت مظلة العدوان، إضافةً- كما قلنا- إلى غبائها السياسي، غباء سياسي رهيب جداً، من يتصور من أبناء هذا البلد أنَّ أياً من النظام السعودي، أو النظام الإماراتي… أو أي طرف أجنبي سيأتي ويدفع المليارات، ويورِّط نفسه في حربٍ كهذه، وفي مشكلة كبيرة بهذا الحجم ليقدم له خدمة، وليمكِّنه من السلطة ليستأثر بها في هذا البلد، وليدعمه وليمكنه من السيطرة والاستحواذ على رقاب هذا الشعب؛ فهو من أغبى الأغبياء في هذا العالم، من أغبى الأغبياء؛ لأنه كيف تفكر هذا التفكير: أنَّ الآخرين ما الذي سيدفعهم إلى فعل ذلك؟ هل هم يعشقونك لأنك من حزب الإصلاح، ويتصورون فيك مَلَكَاً نزل من السماء، ويتسابقون دولة تلو أخرى ليتورَّطوا هذه الورطة الكبيرة من أجلك؟ أو أنت في المجلس الانتقالي تتصور هذا التصور: أنهم سيدفعون ما فوقهم وما تحتهم من أجل أن يقدِّموا لك خدمة، وأن يلبُّوا طموحاتك طموحات معينة وأحلام للمراهقة؟ هل يتصور أحدٌ ما عبد ربه بنفسه والذي دخل قبل أيام مع مجموعة من المواطنين السعوديين في سلام العيد على سلمان بن عبد العزيز في صورة من صور الإهانة والخزي والإذلال، هل يتصور أنَّ العالم يتسابق من هنا وهناك، فالأمريكي يأتي بسرعة، والبريطاني من هناك، والسعودي من هناك، والإماراتي من هناك، وكلهم يسعون إلى تقديم خدمة له؟ هذه سذاجة وغباء وحقد وعمى، في النهاية عمى، عمى عجيب جعل البعض يتصور أنهم يأتون ليقدِّموا له خدمةً كبيرة، البعض قد تكون الصورة واضحة له، لكن حقده الشديد جعله يقبل بأن يجعل من نفسه أداةً وغطاءً للعدوان على بلده مهما حدث، مهما كانت النتائج، حتى لو خسر ولو ضاع، أهم شيء بالنسبة لهم أن يلحقوا الضرر الكبير بهذا البلد، أن يتشفوا بالانتقام من أبناء هذا الشعب، عندما يشاهدون الآلاف من الأطفال والنساء يُقتَلون، عندما يشاهدون الملايين من أبناء هذا البلد يتضوَّرون جوعاً نتيجةً للحصار الاقتصادي والحرب الاقتصادية على هذا البلد، لقد تقلَّد كل الخونة والعملاء الذين انضموا إلى صف العدوان العار الأبدي والخزي بكل ما لحق بأبناء هذا الشعب من: قتل، وظلم، واضطهاد، ومجاعة، وحصار، ودمار… كل ما لحق بهذا البلد جعلوا هم من أنفسهم الغطاء لهذا العدوان؛ ليفعل كل ما يفعل، وكانوا في طول هذه المرحلة بكلها يبررون له ذلك، كلما ارتكب من جرائم، كلما فعله بحق هذا الشعب، كل مؤامراته بحق  أبناء هذا البلد على كل مستوى وفي كل مجال: عسكرياً، واقتصادياً، وأمنياً، وسياسياً، يشغلون أنفسهم بالتبرير الدائم والتغطية الدائمة.

اليوم وصلت الأمور إلى مستوى فظيع وشنيع، جعلهم جميعاً في مأزق، واقع الحال أنَّ السعودية اليوم في مأزق، الإماراتي اليوم في مأزق، والمرتزقة أيضاً بكل فصائلهم ومكوناتهم في مأزق، الأمور تتكشف أكثر فأكثر، حتى لم يعد بالإمكان التغطية عليها، لم يعد بالإمكان التغطية على مسألة شرعية وما شرعية، الوجود الشكلي في عدن لما يسمونه هم بالحكومة (حكومة عبد ربه هادي)، وما يسمونه هم بالشرعية، وليس بشرعية، هذا الوجود الشكلي- في الأخير- أطيح به، مع أنَّه من بدايته لم يكن وجوداً حقيقياً، لم يكن وجوداً بقرار وسلطة فعلية. أبداً، كان وجوداً شكلياً، كان حتى عبد ربه- هذا شيء معروف وواضح ويقرُّون به- حتى عبد ربه لم يكن يتمكن من الذهاب إلى عدن لزيارة، وكما يقولون عنه من يعترفون هم به كرئيس يقولون: [أنه الرئيس الوحيد في العالم الذي يزور بلده]، يعني: لا يأتي إلى البلد إلى زيارة، كل الرؤساء في بلدانهم، هذا خارج البلاد، إذا أتى إلى البلاد يأتي زيارة، ليس برئيس شرعي، ولايته انتهت، وقدَّم استقالته وانتهى أمره، وليس له قرار ولا أمر ولا نهي، يخضع بالكلية، يخضع بالمطلق لتوجيهات السعودي، وللأوامر السعودية، والسعودي يخضع من هناك للأمريكي، ولذلك إذا أراد أن يذهب هو إلى عدن يحتاج إلى أن يستأذن من الإماراتي، إِنْ أذن له أن يدخل يدخل، وإذا دخل لا يذهب إلى أي مكان، إلى أي منطقة هنا أو هناك، إلى أي معسكر هنا أو هناك إلَّا بإذنٍ مسبق من الإماراتي، حال من أسموهم بوزراء هو نفس الحال وأسوأ، وهكذا كان وجوداً شكلياً.

مع ذلك كانوا يسمونها بالعاصمة المؤقتة، وكانوا يسعون- ويدعمهم في ذلك بعض المجتمع الدولي، تدعمهم أمريكا وبريطانيا ودول غربية أخرى- كانوا يسعون إلى أن يربطوا كل مصير وواقع هذا الشعب اليمني بعدن كعاصمة مؤقتة، البنك المركزي… الوضع الاقتصادي بكله، وهم يعرفون أنَّ الوضع هناك وضع قلق، لا يصلح أبداً أن يكون مرتكزاً تدار من خلاله شؤون هذا البلد نهائياً، وضع وبيئة مختلفة كلياً، مليئة بالصراعات، مليئة بالاحتكاكات والتباينات والنزاعات والخلافات ذات الطابع المناطقي، يستهدف الإنسان إذا ذهب إلى هناك؛ لأنه من الشمال (من المحافظات الشمالية)، إذا ذهب من تعز، إذا ذهب من إب… إذا ذهب من أي محافظة من المحافظات الشمالية، من المناطق الوسطى، يكون هدفاً، خائفاً على حياته، على أمنه، على ممتلكاته، الوضع الاقتصادي كيف يمكن أن تكون عدن ركيزة للوضع الاقتصادي للبلاد وهي تعيش هذه الصراعات، وهذه التنافسات، وهذه العداوات، وهذه المشاكل والأزمات، لكن لا يهمهم ذلك، يهمهم الإضرار بهذا الشعب.

ثم ما قبل ذلك ذهاب قوى العدوان وتحالف العدوان لاحتلال سقطرى، وأخذها على من؟ هل أخذت على القوى الحرة في هذا البلد؟ هل أخذت على الحكومة في صنعاء، على المجلس السياسي الأعلى في صنعاء وحكومة الإنقاذ في صنعاء؟ لا، لم تأخذ عليهم. أخذت سقطرى وأتى فيها التواجد العسكري من قبل تحالف العدوان وهي كانت تحت ما يسمى بالشرعية ويسمونهم بالشرعية وليس بشرعية، تحت جماعة عبد ربه وسلطة عبد ربه الوهمية، ما حصل في المهرة، ما حصل في حضرموت، ما يحصل في كل تلك المناطق التي هي تحت الاحتلال، كل ما هناك يشهد على أنَّ الحالة هي حالة احتلال، الممارسة هي ممارسة احتلال، السياسة هي سياسة احتلال، الإدارة هي إدارة احتلال، أما كل أولئك الذين وقفوا مع العدوان ضد بلدهم فهم ليسوا أبداً لا في موقع قرار، ولا في موقع سلطة، ولا في موقع حرية، ولا في موقع استقلال؛ إنما هم يخضعون كلياً لما يأتيهم من أوامر من السعودي والإماراتي، من منهم مرتبط بالإماراتي ما يأتيه من الإماراتي، ومن منهم مرتبط بالسعودي ما يأتيه من السعودي، لا أمر لهم إلا وفق أوامر السعودي والإماراتي، ولا نهي لهم إلا ذلك، وبإذلال، وبامتهان، وبقهر، وبإهانة، وليس باحترام ولا بقليلٍ من الاحترام.

هذا هو الوضع الراهن، والحقيقة جلية جداً، لم يعد بالإمكان التغطية عليها، كم قد سعى البعض طوال هذه الفترة أن يخادع هذا الشعب، أن يفتري وأن يكذب وأن يقدَّم هذا العدوان على أنه مجرد خدمة، وأنه يمثِّل مصلحةً لهذا الشعب، ساستهم كانوا يقولون هذا، زعاماتهم من وجاهات وشخصيات بمختلف فئاتهم كانوا يقولون هذا، يكذبون على أبناء هذا البلد، واليوم قد اتضح جلياً كذبهم، واتضح جلياً زيفهم، يفترض- إن كان بقي لهم شيءٌ ولو قليل من الحرص على أنفسهم هم، على مستقبلهم هم- أن يكفوا عن هذا التزييف وهذا الخداع، وعن تلك الأكاذيب التي يبررون بها العدوان على بلدهم، وأن يدركوا ألَّا مصلحة لهم بالفعل، ولا مستقبل لهم أبداً إلا بالعودة إلى حضن الوطن، إلا بالاستقلال الحقيقي والفعلي لهذا البلد، الذي يمثِّل مصلحةً حقيقيةً لكل أبناء هذا الشعب بمختلف فئاتهم، وبمختلف أحزابهم، وبمختلف توجهاتهم.

المصلحة الحقيقية والمستقبل الحقيقي لأبناء هذا البلد هو في الاستقلال التام، في الحرية، في العيش المشترك، في التفاهم، في التآخي، في التعاون، في الابتعاد عن الأحقاد والضغائن، في الكف عن الولدنة والتصرفات الغبية؛ أمَّا الارتماء في حضن الأجانب، أما التعاون مع المعتدين على أبناء هذا الشعب الذين يرتكبون بحقه أبشع الجرائم، فهذا خيانة وطنية، وهذا عار، وهذا انسلاخ عن الكرامة الإنسانية وعن الإحساس الإنساني، هذا عيب بكل ما تعنية الكلمة، هذا ضياع، إنَّ ذلك الارتهان هو ضياع لمن يتجهون فيه، وخسران للحاضر وخسران للمستقبل.

ولذلك نحن ننصح أولاً تلك الفئات العميلة التي خانت وطنها وأيَّدت العدوان على شعبها أن تراجع حساباتها، كما نوجه النصح أيضاً للمجلس الانتقالي في عدن: ألَّا يفرح بما قد توهم أنه يمثِّل إنجازاً له، أي طرف في هذا البلد بأي مسمى، تحت أي طموحات أو أهداف، لا يزال يخضع للأجنبي، وتحت إمرة الأجنبي، ويتحرك بالاعتماد الكلي على الأجنبي، وبالارتهان الكلي للأجنبي؛ فليس في وضعٍ يساعده على أن يتباهى، ولا أن يفتخر، ولا أن يقول للناس أنه حقق هدفاً من أهدافه، أو طموحاً من طموحاته، الحالة ليست حالة استقلال، الحالة التي يبقى فيها المجلس الانتقالي يتلقى الأوامر من الخارج، من الأجانب، هو لا يعيش الحرية، هو لا يعيش حالة الاستقلال، هو لا يعيش حالة كرامة، لا هو ولا أي فصيل ولا أي مكون ارتهن لقوى العدوان وتحالف العدوان، وانضم في صف العدوان، ويقاتل مع الأجانب المعتدين على بلده، هو فقط وفقط وفقط يجعل من نفسه أداةً للأجنبي، والحالة التي يكون فيها أداةً للأجنبي هو لا يمتلك وصفاً أكبر من ذلك يتطابق مع الواقع، مهما قال عن نفسه: حكومة، سلطة، شرعية، انفصال… أي مسمى، أي عنوان هو عنوان زائف، لا يتطابق مع الواقع، الواقع أنَّ كل تلك إنما هي أدوات بيد الأجنبي، خاضعة للأجنبي، تحت إمرة الأجنبي، لا تمتلك القرار، لا تمتلك الحرية، لا تمتلك الاستقلال.

الموقع الصحيح، الوضع الصحيح هو ما عليه شعبنا في المناطق الحرة في صنعاء وسائر المحافظات الصامدة في وجه العدوان، هو الوضع الذي عليه القوى الحرة في هذا البلد، التي تعاونت وتحالفت وتشاركت وتعاونت للتصدي لهذا العدوان، هذا هو الوضع الصحيح، هذا هو الوضع الذي تشهد كل الوقائع وكل الأحداث أنه يمثِّل الموقف الصحيح، والموقف السليم، والموقف المسؤول الذي يتطابق مع هوية شعبنا العزيز في انتمائه للإيمان، هذا هو التوجه القائم على أساس الحرية والاستقلال والكرامة والحفاظ على الحقوق، الحقوق الحقيقية لكل هذا الشعب.

هنا في هذه المناطق الحرة الصوت هو صوت قوة، صوت حرية، صوت عزة، صوت استقلال، صوت وحدة، صوت تعاون، صوت ألفة، صوت شراكة؛ أما الآخرون صوت فرقة، صوت بغضاء وكراهية وعداوة، صوت فتنة تحت العنوان المذهبي، والعنوان المناطقي… وتحت كل العناوين، هناك الكذب، هناك الدجل، هناك الافتراءات، هناك التبريرات السخيفة للجرائم الشنيعة والفظيعة، هناك التمكين للأجنبي ليحتل البلد، التمكين له ليحتل المهرة، ليحتل حضرموت، ليحتل عدن، ليحتل سقطرى، ليحتل الجزر، ليحتل المواقع والقواعد العسكرية الاستراتيجية، ليسيطر على المنشآت النفطية، هذا هو الذي يحصل، هناك خضوع تام للقرار الأجنبي ليكون هو القرار الذي يوجه ويأمر ويقرر، ثم لا يكون إلا ما وجه، وإلا ما أمر، وإلا ما قرر، هناك الإهانة والخنوع للاستعلاء أمام الضابط السعودي، أمام المسؤول السعودي، أمام المسؤول الإماراتي، هناك النظرات المنكسرة، النظرات المنكسرة تجاه معالي ذاك الضابط، أو ذاك الأمير، أو ذاك الملك، هناك الخسارة للحرية والاستقلال والكرامة.

كل هذه الأحداث وكل هذه التطورات هي تكشف أكثر فأكثر الحقائق التي ننادي بها منذ بداية العدوان وإلى اليوم، وهي تشهد للموقف الصحيح من الموقف الخاطئ، والذي علينا أيضاً في المناطق الحرة الصامدة في وجه العدوان، وبالنسبة لكل القوى الحرة التي تستند إلى هذا الشعب العزيز في صموده، وتماسكه، وعطائه، وتضحياته الكبيرة بعشرات الآلاف من الشهداء في التصدي لهذا العدوان، يجب أيضاً أن نعزز كل عوامل هذا الصمود أكثر فأكثر، وأن نقول لكل المتربصين وكل المنتظرين، ولكل المرتابين المتشككين: ألا تكفيكم كل هذه الأحداث والتطورات التي تكشف الحقائق أكثر فأكثر، ألا تكفيكم، ألا تحرِّك فيكم ولو شيئاً يسيراً من الضمير الإنساني، من الاحساس بالكرامة، من الإدراك لطبيعة هذا العدوان وما يرمي إليه، وما يهدف إليه، وما يسعى إلى تحقيقه، ألا يكفيكم كل ذلك.

نحن في هذا البلد نشيد دائماً بكل الجهود التي تبذل من كل أحرار هذا البلد، وفي مقدمتهم العلماء الذين كان لهم اجتماع قبل أيام في صنعاء، وكان اجتماعاً كبيراً، ولم يكن هو الاجتماع الأول، إنما قد سبقه الكثير من الاجتماعات، والذي أكَّد على الموقف المسؤول والمشروع، والذي يمثِّل فريضةً دينية وواجباً دينياً في التصدي لهذا العدوان، في توحد الكلمة واجتماعها في التصدي لهذا العدوان، نشاط العلماء وحركتهم، نداءاتهم وبياناتهم، مواقفهم المعلنة والصريحة هي في طليعة المواقف الحرة، والمواقف المسؤولة، والمواقف الصحيحة، والمواقف المشروعة للأحرار في هذا البلد، ومعهم أيضاً كل الأحرار من مختلف الفئات والمكونات والاتجاهات التي تقف هذا الموقف المسؤول.

ثم أيضاً الموقف الشعبي العظيم من قبائل هذا البلد، من أبطاله المرابطين في الجبهات، من كل الذين يبذلون جهودهم في كل المجالات وفي مختلف المجالات للتماسك والصمود والتصدي للعدوان بكل أشكاله، وبكل مؤامراته، وبكل خططه، وبكل مساراته، ولهذا نحن نشيد دائماً ونؤكِّد على المزيد والمزيد من العمل في كل المجالات، ولدعم الجبهات، وللتصدي للتصعيد من قبل العدوان أكثر فأكثر، ولتنشيط عملية التواصل مع المخدوعين وليس المغرر بهم، ليست المسألة تغرير، مخدوعين، خدعوا وتورَّطوا في الخيانة، لنصحهم للعودة إلى حضن الوطن الذي سيتسع لهم على قاعدة الشراكة، على قاعدة الاستقلال والحرية والكرامة، على قاعدة التعاون البنَّاء بمصداقية ونصح، وإيثار للمصلحة العامة فوق المصالح الفئوية والحزبية الضيقة.

العنوان الثالث الذي نختم به هذه الكلمة: هو ما يتعلق بالعلاقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، والزيارة الأخيرة لوفدنا إلى طهران، والتي التقى فيها بكبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية: وهذه الزيارة هي تأتي في سياق التمهيد لعودة العلاقة مع الجمهورية الإسلامية على المستوى الرسمي، وأيضاً على مستوى التمثيل الدبلوماسي، وهذه نافذة مهمة، تحالف العدوان منذ بداية عدوانه وإلى اليوم سعى بكل جهد إلى أن يفرض عزلةً على بلدنا العزيز، وأن يقطع كل علاقات هذا البلد بكل أبناء البشر، بكل أبناء البشر وليس فقط في محيطه العربي والإسلامي، أراد لهذا البلد أن يكون مقاطعاً من الجميع، وأن ينظر الجميع إليه بنظرةٍ خاليةٍ من التعاطف، من التعامل البنَّاء، من النظرة الإيجابية، عمل على أن يصنع موقفاً عاماً في العداء لهذا البلد، أو القطيعة مع هذا البلد في الحد الأدنى، الموقف المتميز والفريد والقوي والصريح في التضامن مع شعبنا العزيز، وفي إدانة هذا العدوان بشكلٍ قوي، على المستوى الرسمي كان موقف الجمهورية الإسلامية في إيران الذي كان صريحاً جداً وواضحاً جداً في إدانته للعدوان، وفي التضامن مع شعبنا العزيز، ثم هناك مواقف على مستوى كيانات، قوى أخرى في المنطقة من داخل محور المقاومة: سواءً على مستوى موقف حزب الله، وهو موقف متقدِّم جداً، ولا يماثله موقف في الوطن العربي، ثم على مستوى مواقف إيجابية جداً في العراق، في سوريا… في بلدان متعددة، ونعرف أنَّ هناك تعاطفاً واسعاً في الشعوب العربية مع شعبنا العزيز، ولكنه تعاطف لا يستطيعون التعبير عنه، ولا ترجمته بالقول والفعل، كالحالة مع الشعب الفلسطيني، هناك كثير من شعوبنا العربية تتعاطف جداً مع شعبنا الفلسطيني المظلوم العزيز، لكنها لا تترجم هذا التعاطف إلى مواقف عملية، ولا حتى على مستوى التظاهرات؛ لأن الوضع الذي تعيشه المنطقة معروف لدى الجميع، حالة الكبت، حالة التضليل، حالة الضغط، حالة التعامل مع الشعوب بوسيلة السيطرة عليها من خلال الأزمات وعمليات التشويش الإعلامي، والتضليل بكل أشكاله، حالة معروفة في واقعنا العربي والإسلامي.

نحن نسعى ونحن في نفس الوقت ننصح كل محيطنا العربي والإسلامي إلى أن يعود إلى علاقته الرسمية والتمثيل الدبلوماسي مع شعبنا اليمني، هذا هو الموقف الصحيح، نحن كأمة إسلامية الوضع الطبيعي لنا بمقتضى إيماننا، انتمائنا للإسلام، وبمقتضى مصلحتنا الحقيقية كأمة إسلامية، أن نتآخى، أن نتعاون، أن نتفاهم، أن تكون بيننا علاقات أخوية، هذا هو الوضع الصحيح، هذا هو الوضع الطبيعي جداً.

نحن في اليمن- مثلاً- على مستوى العلاقة الرسمية ما بين الجمهورية اليمنية والجمهورية الإسلامية في إيران، كان هناك علاقات في المراحل السابقة، علاقات رسمية بين البلدين، هذه العلاقات كانت في مراحل معينة على مستوى لا بأس به، يعني: كان هناك تبادل للزيارات حتى أرفع مستوى، على مستوى تبادل الزيارات على مستوى الرؤساء، على مستوى الوزراء، على مستوى المبعوثين الخاصين، على مستوى لجان مشتركة، هذا في المراحل الماضية، قبل الثورة الأخيرة، قبل التطورات الأخيرة، قبل المتغيِّرات الأخيرة، كان هناك أيضاً اتفاقيات كثيرة بين البلدين، يعني: وصلت إلى أكثر من سبعين اتفاقية بين الجمهورية اليمنية والجمهورية الإسلامية في إيران، قبل أن يصل أنصار الله مع شركائهم إلى السلطة في البلد، في المراحل الماضية، هذا العدد الكبير من الاتفاقيات لو ينفذ فقط سيكون هناك مصلحة كبيرة جداً لشعبنا العزيز؛ لأنها كلها- كل تلك الاتفاقيات- هي تخدم شعبنا العزيز، وكانت تُجمَّد كل تلك الاتفاقيات مع أنها في مصلحة شعبنا، كانت تجمد لماذا؟ من أجل أن لا يغضب الآخرون، أن لا يغضب السعودي، فكان يبقى هذا البلد في وضعه الداخلي- في كثيرٍ من أموره- يخضع لهذه الحسابات بعيداً عن مصلحته الفعلية والحقيقية.

طبيعة العلاقة اليوم مع الجمهورية الإسلامية في إيران ستكون أفضل من الماضي؛ لأنها علاقة قائمة على الالتقاء على المبادئ، والأخوة الإسلامية، والقضايا المشتركة التي ندعو كل المسلمين لأن يكونوا عليها، كل الأمة لأن تكون عليها، التقاء في قضايا مهمة جداً، القضايا المصيرية والكبرى للأمة: دعم القضية الفلسطينية، الموقف من الهيمنة الأمريكية، الموقف من إسرائيل فيما تشكِّله إسرائيل من خطر على المسلمين وعلى الإسلام وعلى الأمة بكلها، السعي للاستقرار في المنطقة بكلها، والعناوين التي هي عناوين حساسة في هذه المرحلة ومثَّلت انقساماً في الواقع العربي والإسلامي، هي عناوين معروفة، هناك اتجاه يتبنى التحرر من الهيمنة الأمريكية، هناك اتجاه آخر يتبنى التبعية لأمريكا، هناك اتجاه في هذه الأمة يتبنى الدعم للشعب الفلسطيني، والمناصرة للقضية الفلسطينية، ويتبنى- أيضاً- العداء لإسرائيل؛ باعتبار إسرائيل تمثِّل خطراً على الأمة بكلها، هناك اتجاه يسعى علناً وجهاراً نهاراً للتطبيع مع إسرائيل، هناك طرف يسعى للاستقرار في أوساط هذه الأمة، وللعلاقات الأخوية، وللتعاون، وللتفاهم، وينادي باتفاقيات ومعاهدات بعدم الاعتداء، وهناك طرف آخر يتبنى الفرقة والعداوة بين أبناء الأمة، وتغذية النزاعات والصرعات تحت كل العناوين، وفي مقدِّمتها العناوين الطائفية، هناك طرف هو الذي دعم الجماعات التكفيرية بالمليارات من المال، وهيَّأ لها الانتشار في مناطق واسعة وبلدان واسعة، ووفر لها كل وسائل الدعم: السياسي، والمادي، والإعلامي… وكل وسائل الدعم، لتفعل ماذا؟ لتقتل، لتدمِّر، لتعمل على تدمير كيان هذه الأمة من الداخل، لتعتدي على شعوب هذه المنطقة في: اليمن، وسوريا، والعراق… وفي سائر البلدان، لترتكب أبشع الجرائم، ولتزعزع الأمن والاستقرار في كل بلدان المنطقة، حتى في مصر، حتى في تونس، حتى في الجزائر… حتى في كل بلدان هذه المنطقة، هناك طرف يتدخل سلباً في شؤون بلدان هذه المنطقة، والكل يتأذى من تدخلاته السلبية، حتى الدول التي لها علاقة معه، وهنا طرف يتعامل باحترام، يفهم ماذا تعنيه العلاقة مع الآخر في أن تكون علاقة طبيعية قائمة على الاحترام المتبادل، قائمة على الأخوة، قائمة على المصالح المشتركة، علاقة لا تمس بالسيادة، ولا تمس بالاستقلال، ولا تمس بالكرامة، علاقة ليس فيها فرضيات وإملاءات.

الإيراني هو يتجه هذا التوجه: موقف واضح تجاه الهيمنة الأمريكية، ويرفض التبعية لأمريكا، هو واضح في استقلاله التام في قراراته وتوجهاته، واقف في دعمه للمقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، ونحن في هذا المقام نبارك لأخوتنا الأعزاء في حزب الله بمناسبة ذكرى النصر التاريخي في تموز 2006، والذي احتفلوا به بالأمس، له موقف واضح تجاه مظلوميات شعوب هذه المنطقة، تضامن مع الشعب اليمني، أدان العدوان عليه، تضامن ودعم الشعب العراقي في محنته من الاحتلال الأمريكي، ومحنته أيضاً الثانية من غزو داعش… يتضامن مع بلدان وشعوب المنطقة، يحترم العلاقة مع الآخرين في أن تكون علاقة محترمة، ليست علاقة الإملاءات والفرضيات. لا، وليست علاقة الأوامر، نحن اليوم لا نتلقَّى ولا أمراً واحداً من إيران، ولا أمراً واحداً، ولا فرضية واحدة، ولا إملاءات في أي شيء: [أنَّ عليكم أن تفعلوا كذا أو تفعلوا كذا…]، وحتى موقفنا من العدوان السعودي هو موقف طبيعي جداً، لم تفرضه علينا إيران، موقف الرد المشروع تجاه عدوان بدأ علينا.

ونحن حتى الآن نقول لكل أبناء أمتنا: نحن حاضرون للعلاقة الأخوية القائمة على الالتقاء على هذه المبادئ، وعلى هذه الأخلاق وهذه القيم، العلاقة القائمة على أساس الاحترام المتبادل، حاضرون لهذه العلاقة مع كل أبناء أمتنا، قد يأتي البعض ليصيح: [لماذا إيران ستقبل بالتمثيل الدبلوماسي، وتتعامل رسمياً مع صنعاء كدولة مستقلة حرة]، قد يأتي البعض يصيح، طبيعي أن يصيح البعض، طبيعي أن يغتاظ البعض؛ لأنهم يريدون لنا أن نعيش العزلة دائماً، من يريد أن يكون له علاقة إيجابية معنا، فليتفضل المجال مفتوح، ومن يريد أن يناصبنا العداء ثم يغضب إذا كان لنا علاقة أخوية في إطار محيطنا الإسلامي والعربي، هذه مشكلته، فليغضب بقدر ما أراد أن يغضب، وليغتظ بقدر ما أراد أن يغتاظ، هذا حاله، نحن نقول كما قال الشاعر العربي في شعره المشهور:

فمن جاءنـا يــا مرحبــاً بمجيئه

يجد عندنا وداً قديماً ثبوته

ومن صدَّ عنا حظه الصد والقلا

ومن فاتنـا يكفيه أنا نفوته

نحن في قاعدتنا التي ننطلق منها في علاقتنا الخارجية مع أمتنا الإسلامية كافة: حاضرون للعلاقة على أرقى مستوى مع أي بلد مسلم، أي بلد عربي فليتفضل، من لديه محاذير؛ لأن أمريكا لم تأذن له، أو عملاء أمريكا في المنطقة لم يأذنوا له في أن يكون له علاقة جيدة معنا، علاقة أخوية معنا، هذه مشكلته، هذا لا يؤثر بالنسبة لنا لا يؤثر علينا لا في موقف، ولا في قرار، ولا في فهم ما نحن عليه وما ننطلق على أساسه، نحن أحرار، قرارنا مستقل، توجهاتنا مستقلة، ليست هناك إملاءات ولا فرضيات ولا أوامر تأتينا من أي عاصمة أجنبية أو خارجية، ولا من أي كيانٍ خارجي، نحن نتخذ القرار الذي نريده بناءً على أساسٍ من المسؤولية، أساسٍ من المبادئ والقيم التي ننتمي إليها، موقفنا من الهيمنة الأمريكية، ومناهضتنا لهذه الهيمنة موقف حر طبيعي جداً، ليس من أجل أي بلدٍ هنا أو هناك، نلتقي في هذا الموقف الحر والمسؤول مع أخوتنا الأحرار من أبناء الأمة: مع الإيراني، مع حزب الله، مع المقاومة في فلسطين، مع الأحرار في سوريا، مع الأحرار في العراق… مع الاحرار من كل أبناء الأمة، نلتقي معهم على هذا الموقف الذي هو طبيعي، نحن نتموضع في تبنينا لمناهضة الهيمنة الأمريكية، في عدائنا لإسرائيل، في مواقفنا من القوى التكفيرية، في موقفنا من كل مشاريع الفتنة والتقسيم والتجزئة والتدمير والإخلال بالأمن والاستقرار في هذه الأمة، موقفنا كل هذا، نحن نتموضع في موقفنا من كل هذه المسائل في الموقع الصحيح والطبيعي جداً، الطبيعي جداً، نحن لا نعيش حالة الارتهان لأي طرف في هذه الدنيا، ولكنها علاقة الأخ بأخيه في الموقف الصحيح والطبيعي جداً والمسؤول بكل ما تعنيه الكلمة، وهذه الأخوة بين المسلمين في تبني قضايا كهذه وفي تبني مواقف مسؤولة، مواقف صحيحة، هي عنصر قوة، وهي مطلوبة، وهي ضمن الاتجاه الصحيح للجميع.

طبعاً أكتفي بهذا المقدار من التعليق على الموضوع، البعض هم يتجهون في اتجاهات مكشوفة ومفضوحة بالرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة يوماً بعد يوم بحق المسجد الأقصى، بحق الشعب الفلسطيني، بزيادة الاستيطان، بمصادرة أرضي الشعب الفلسطيني، ومزارع الشعب الفلسطيني… انتهاكات وجرائم يومية، البعض لا يبالي ولا يكترث تجاه كل هذه الجرائم، وكل همه وكل شغله أن يعزز علاقته مع الإسرائيلي، وأن يبرر للإسرائيلي ما يفعله، وأن يتجه بحملات تشويه حتى على المستوى الإعلامي للشعب الفلسطيني، ويبقى مشغولاً في كيف ينجح صفقة ترامب، التي أطلقوا عليها صفقة القرن، تلك الصفقة الخاسرة والبائرة والمتلاشية، والتي لن تصل إلى نتيجة.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينصرنا بنصره، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، إنه سميع الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى