السعودية لن تنجو من تبعات الاعدامات الجماعية للأبرياء
يمر اسبوع واحد على جريمة الاعدامات الجماعية لعدد من المواطنين السعوديين، واغلبهم من اتباع اهل البيت عليهم السلام، ورغم ان ردود الافعال المحلية والاقليمية والعالمية لا ترقى الى مستوى الجريمة، ولكن السعودية لن تنجو من تبعات هذه الاعدامات بالجملة.
ويبدو ان السعودية وفي محاولات للتمويه، تجعل بين وجبة الاعدات بضعة افراد متهمين بتهم ارهابية وتقوم بذلك ومن خلال الاعلام بتعميم هذه التهم على سائر المعارضين المحكومين بالاعدام، لتوحي الى الرأي العام، بأن جميع المعدومين ارهابيين. ولكن هذا الامر لن ينطلي على الرأي العام الواعي.
وفي هذا السياق، قالت منظمة العفو الدولية إن الإعدام الجماعي الذي نفذته السعودية “مؤشر مروع على أنه لا قيمة لحياة الإنسان لدى السلطات التي تستخدم عقوبة الإعدام بشكل منتظم، كأداة سياسية لسحق المعارضة من الأقلية الشيعية في البلاد”.
واعتبرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في تغريدة لها على حساب بتويتر أن إعدام سلطات السعودية “37 شخصا في أعقاب محاكمات جائرة بحقهم، والحكم على عبد الكريم الحواج بالإعدام على خلفية جرائم ارتكبها عندما كان دون سن الـ18، انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
وأشارت منظمة العفو إلى أن السعودية من الدول الخمس الأولى في العالم التي تنفذ عمليات إعدام، وقد نفذت منذ بداية العام 104 إعدامات، مشددة على أنها تناهض عقوبة الإعدام “في جميع الأحوال دون استثناء، بغض النظر عن طبيعة الجريمة، أو صفات المذنب، أو الأسلوب الذي تستخدمه الدولة في إعدام السجين”.
ويبدو ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لم يعد يهتم بالرأي العام العالمي، وبات شغله الشاغل هو تأكيد سطوته الأمنية وهيبة دولته، مثلما يسميها، وهي مرحلة متقدّمة من إنكار الواقع، كما حدث مع صدام حسين وبقية الديكتاتوريين العرب. ولكنه ايضا لم يتعظ بمصير هذا الطاغية ولا بمصير الديكتاتوريين العرب من امثال حسني مبارك والقذافي وبن علي.
ويتخوّف السعوديون من أن تكون حملة الإعدامات هذه مقدمة لإعدامات جديدة قد تطال المنتمين لتيار “الصحوة” الديني، أحد أكبر التيارات الدينية في البلاد، والتي وعد بن سلمان السعوديين بسحقها. وكان يُتوقع أن تقوم السلطات السعودية بإعدام الداعية الإسلامي سلمان العودة بعد توجيه تهم له بالتآمر ضد نظام الحكم، ومطالبة النيابة العامة بإعدامه، لكن جريمة قتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول التركية في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وما تبعها من ردود فعل، أديا لتأجيل هذه الخطوة.
ونُفذت الإعدامات بطريقة وحشية، وتم توزيعها على مناطق متفرقة في البلاد، من بينها العاصمة الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية، حيث تقطن الأقلية الشيعية في البلاد وتعاني من تضييق سياسي واقتصادي. وبحسب القوانين السعودية، فإن الإعدام يتم عبر قطع الرأس، لكن السلطات أضافت عقوبة الصلب على بعض المتهمين بسبب “شناعة جرائمهم”، حسبما تقول.
وشملت الإعدامات أشخاصاً تم انتزاع الاعترافات منهم تحت التعذيب، كما أثبتت محاضر التحقيقات التي سرّبت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان جزءاً منها على حسابها في موقع “تويتر”. وكشفت عن تعرض عدد من المعدومين، ومنهم رجل الدين الشيعي الشيخ محمد عطية، للتعذيب والضرب لإجباره على توقيع الاعترافات، كما تعرض أحد المعدومين، وهو منير آل آدم، للضرب، ما أدى لإفقاده السمع في أذنه.
وشملت قائمة المعدومين 6 أشخاص كانوا تحت السنّ القانونية عند القبض عليهم، أبرزهم مجتبى السويكت، وهو شاب من مدينة القطيف اعتقلته السلطات السعودية في المطار قبل مغادرته البلاد للدراسة في الولايات المتحدة، وكان يبلغ من العمر 17 عاماً عند اعتقاله. واتُهم السويكت بالتظاهر والتخريب ومحاولة اغتيال رجال الأمن في مدينة القطيف التي تعد معقل الشيعة في شرق البلاد.
كما أعدمت السلطات أيضاً عبد الله آل سريح، وهو شاب لم يكن قد تجاوز الـ17 من عمره عند اعتقاله، واتُهم باغتيال رجل أمن والتظاهر والتخريب، لكن محاميه يقولون إن اعترافاته انتُزعت تحت التعذيب والضرب. وشملت قائمة المعدمين أيضاً القصّر: عبد الكريم الحواج، وسعيد السكافي، وسلمان آل قريش، وعبد العزيز آل سهوي.
ويأتي تنفيذ هذه الإعدامات على الرغم من الانتقادات العالمية والأعين المسلّطة على بن سلمان بعد حملات القمع والتعذيب التي مارسها بحق معارضيه في محاولة منه لتوجيه رسائل للداخل السعودي توحي بقوة الدولة وسطوتها.
ولاقت حملة الإعدامات إدانات من منظمات دولية متعددة، بمن فيهم رئيسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ميشيل باشليه، التي اعربت في بيان، عن قلقها بشأن “عدم اتباع الإجراءات المناسبة وغياب الضمانات المنصفة في المحاكمات، والمزاعم بأنه تم الحصول على الاعترافات عن طريق التعذيب”. وأضافت أنه “من المقيت جداً أن ثلاثة على الأقل من الذين أعدموا كانوا قاصرين وقت صدور الحكم بحقهم”.
ويقول توبي ماثيسون، الباحث في سياسات الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد، إن تنفيذ أحكام الإعدام الأخيرة يحمل رسالة مباشرة بعدم قبول الحكومة السعودية بأعمال احتجاجية في الشارع.
ويضيف أن أحكام الإعدام شملت للمرة الأولى أشخاصا من أتباع الطائفة الشيعية في المدينة المنورة.
وتشير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن الأشخاص الذين تابعت قضاياهم لم تتح لهم فرصة الالتقاء بمحاميهم خلال فترتي الاعتقال والتحقيق.
ويقول نشطاء أن مجموعة من المتهمين ذكروا خلال مثولهم أمام القضاة ضمن إجراءات محاكمتهم أن بعض الاعترافات المنسوبة إليهم “انتزعت منهم تحت الإكراه”.
وذكر بيان المنظمة الاوروبية السعودية ان عددا من التهم التي وجهت لأسماء كثيرة ممن أعلنت وزارة الداخلية إعدامهم “لم تكن ضمن ما يصنف كجرائم شديدة الخطورة أو إرهابية، مثل تهم تتعلق بحق التعبير والتظاهرات والتجمعات السلمية والتوقيع على بيانات سياسية وتخزين مستندات سياسية ومعلومات عن المعتقلين السياسيين”.
ويمثل أتباع المذهب الشيعي ما يتراوح بين 10 الى 15 في المئة من إجمالي سكان السعودية الذي تجاوز 33 مليون نسمه، ويقطنون بشكل رئيسي مدن القطيف والدمام والاحساء والمدينة المنورة.
وكانت السلطات السعودية قد نفذت في 2 يناير/ كانون الثاني 2016 حكم الإعدام بأربعة شيعة ضمن مجموعة أكبر شملت في حينها 47 شخصا.
ويرى مراقبون ان كون اغلب المعدومين من اتباع اهل البيت عليهم السلام، لا يمكن فصله عن الخطة الشاملة الهادفة إلى مواجهة إيران بذريعة خطرها على المنطقة، بهذا يلتقي آل سعود وأنظمة عربية أخرى مع أميركا والكيان الصهيوني في ما يسمى “الحلف العربي العبري” الذي يسعى إلى محاصرة إيران وشيطنتها لفترة طويلة حتى إنهاكها، ويتناسى هذا الحلف ان قوة ايران تنبع من تأثيرها على شعوب المنطقة ومناصرتها لعدالة المطالب الشعبية.
ومن المؤكد ان المصالح السعودية المتشابكة مع المصالح الغربية والصهيونية، قد تعمل على إسكات الاوساط الرسمية الغربية والمؤسسات الدولية، لكنها لن تكون قادرة على إسكات الرأي العام العالمي، وهناك ضغوط من قبل الشعوب الغربية الحرة على حكوماتها لمحاسبة نظام آل سعود الذي مازال يتعامل مع شعبه كالقرون الوسطى.