المخاوف الأمريكية من عودة سوريا إلى المشهد الدولي
شكّل اختيار سوريا رئيساً لهيئة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة انتصاراً سياسياً جديداً للحكومة السورية على الجماعات الإرهابية وداعميها من الحكومات الغربية والعربية، ويمكن إبراز مرارة الحقد الذي مُنيت به هذه الحكومات المعارضة للنظام السوري من هذا النصر، والتي استخدمت على مدى السنوات الماضية جميع أدواتها المالية والعسكرية والسياسية للإطاحة بالحكومة السورية وتقسيم البلاد، في رد فعل الدول الغربية، ولا سيما ممثل الحكومة الأمريكية في الأمم المتحدة، الذي دعا إلى إلغاء الرئاسة السورية لهذا المؤتمر الدولي المهم، حيث اعتبر روبرت تول، أن هذا الأسبوع من أحلك الأيام في تاريخ نزع السلاح، لكن بالنظر إلى أبعاد وزوايا هذا الحدث، يمكن اعتبار أن فشل الخطط والأحلام التي وضعتها واشنطن للمنطقة وعدم وصولها إلى أهدافها وفشلها في تحقيق مصالحها ومصالح حليفتها “إسرائيل” من الأسباب الحقيقية لهذا الغضب الأمريكي.
الحقيقة هي أنه خلال السنوات التي أعقبت حادثة 11 سبتمبر، بذلت واشنطن كل جهدها لتغيير النظام الإقليمي للشرق الأوسط لمصلحتها الخاصة ومصالح حليفتها الاستراتيجية “إسرائيل”، حيث سعت من خلال سيطرتها على موارد الطاقة في هذه المنطقة، إلى تدمير محور المقاومة الذي عارض ووقف بكل قوته أمام تحقيق مصالحها، ما دفعها إلى احتلال كل من العراق وأفغانستان. ولكن بعد فشل واشنطن في تحقيق أهدافها ومصالحها عبر التدخل العسكري المباشر، والذي كان له نتائج عكسية حيث أدّى إلى ازدياد انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة كما أدّى إلى ازدياد الكره لأمراء الحرب الأمريكيين الذين ارتكبوا مجازر بحق أبناء المنطقة، التجأت الإدارة الأمريكية إلى الخطة “ب” التي تتمثل ببث الفتن والانقسام بين أبناء البلد الواحد من أجل تحقيق مشروعهم الجديد الذي أطلقت عليه وزيرة الخارجية السابقة غونداليزا رايس بـ “الشرق الأوسط الجديد”.
هذه الخطة قوبلت بذكاء من المقاومة وبدعم روسي للشعبين العراقي والسوري ضدّ الإرهاب المدعوم من الغرب والرجعيين الإقليميين، ومع ذلك، لا تزال أمريكا تأمل في هذه الخطة إلى إضعاف المقاومة في المرحلة السياسية والتأكيد على عدم شرعية حكومة دمشق للمشاركة في المستقبل السياسي السوري، وفي السياق ذاته اتهمت واشنطن أكثر من مرة الحكومة السورية باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين من أجل تشويه صورة دمشق أمام الرأي العالمي والدولي.
ولكن في أعقاب الزيارات الدبلوماسية لبعض الدول إلى سوريا وتأكيدها على دعمها للحكومة الشرعية والمواطنين في مواجهة الإرهاب، وقيام كل من لبنان والعراق بدعوة الدول العربية إلى السماح لسوريا بالمشاركة مجدداً في اجتماعات الجامعة العربية، إضافة إلى ترأس سوريا لمؤتمر نزع السلاح الأخير كل ذلك يشير إلى فشل الخطة الأمريكية المرسومة للمنطقة، في الواقع، إنّ واشنطن كانت تدعو دائماً المجتمع الدولي إلى نزع الشرعية عن الحكومة السورية، لذا أصبح من الواضح الآن أن المجتمع الدولي قد تخلى عن أفكار البيت الأبيض ودفع بالمحللين إلى التساؤل عمّا إذا كان انتخاب سوريا كرئيس دوري لمؤتمر نزع السلاح يعني فشل واشنطن أيضاً سياسياً بنزع الشرعية عن الحكومة السورية؟ سؤال آخر يمكن طرحه هو أنه إذا كانت لجنة نزع السلاح، منذ عام 1952، تحاول مراقبة وجمع الأسلحة النووية وغيرها من الأسلحة غير التقليدية قد اختارت سوريا لترأس هذا المؤتمر لقيام دمشق منذ سنوات بالتخلص من مخزونها من الأسلحة الكيميائية إرادياً، وعدم اختيار واشنطن لذلك بسبب حيازتها لمخزون كبير من الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية والتي تقوم بتجربتها على الناس؟
وفي السياق، أشار حسام الدين العلا، وهو مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، إلى أنّ محاولات واشنطن وتل أبيب من أجل إسقاط الرئاسة السورية للمؤتمر خلال الأسبوعين الماضيين قد باءت بالفشل وقال: من المؤسف أن تستمر أمريكا وحلفاؤها باستغلال هذا المنتدى التفاوضي لإقحام مسائل من خارج ولاية مؤتمر نزع السلاح وإثارة قضايا دقيقة وحسّاسة تستوجب التعامل معها في المحافل الدولية المختصة مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بدلاً من التعامل معها كمادة للإثارة الإعلامية. وأضاف إن 65 دولة هم أعضاء في هذا المؤتمر، وتقوم العضوية في المؤتمر على مبدأ المساواة بين الدول، وهو ما يؤكده ميثاق الأمم المتحدة، ونتيجة لذلك، لا تستطيع أمريكا وحلفاؤها منع ترأس سوريا لهذا المؤتمر العالمي.
ختاماً، في عهد ترامب، اتخذت أمريكا نهجاً أحادي الجانب بعدم الاعتماد على القواعد القائمة على اتخاذ القرارات الجماعية في المنظمات الدولية والالتزام بها، ويعد انسحابها من المعاهدات الدولية والتهرّب من المسؤولية وعدم الوفاء بالتزاماتها، على سبيل المثال اتفاق باريس، والاتفاق عبر المحيط الهادئ، والاتفاق النووي الإيراني… أمثلة واضحة على النهج العدائي الأمريكي خلال هذه الفترة، لكن في هذه المسألة، لا تملك واشنطن اليوم القدرة على التأثير في تغيير المعادلة على أساس رؤيتها الخاصة، لأن الحقيقة هي أنه لم يعد هناك أذن تستمع لشعارات حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية التي تطلقها أمريكا كسبب للتدخل في شؤون الدول أخرى، الأمر الذي أدخل واشنطن في عزلة دولية وزاد من غضبها.