البكتيريا تنتصر على المضاد الحيوي، كيف ندمرها؟
نستخدم بكتيريا أخرى فهي “السلاح الأقوى”نعرف أن المضادات الحيوية التي شكَّل اكتشافها ثورةً في علاج الأمراض المعدية في القرن العشرين، تقضي على البكتيريا، ونعرف أيضاً أن مفعول المضادات الحيوية تراجع بعد أن أصبحت أنواع خاصة من البكتيريا قادرة على المقاومة والتأقلم، بعد أن تطوَّرت جينياً وصارت المضادات الحيوية غير فعّالة في القضاء على بعض أنواعها وعلاج الأمراض التي تُسبِّبها. لكن ربما لا نعرف أن بعض الميكروبات ليست فقط محصَّنة ضد المضادات الحيوية وحسب، بل أيضاً تستطيع تناول هذه الأدوية واستخدامها كغذاء للنمو والتكاثر بدلاً من أن تكون سلاحاً لقتلها أو القضاء عليها، فقد أثبت العلماء أن العديد من البكتيريا التي تعيش في التربة صارت قادرة على مقاومة المضادات الحيوية والتغذي عليها، هذه أخبار صعبة لعلاج الأمراض المعدية، لكن ليست كلها سيئة. فقد اكتشف باحثون في مختبر غوتام دانتاس بينهم ترينك كروفت الباحث بجامعة واشنطن، كيف يمكن أن يكون هذا مفيداً للناس أيضاً. إذ وجدوا أننا قد نكون قادرين على تسخير هذه الميكروبات المضادّة للمضادات الحيوية لتنظيف الأرض والمياه الملوثة بهذه الأدوية، وهذا التلوث بالأدوية هو سبب رئيسي يؤدي لتطور البكتيريا، وجعلها قادرة على مقاومة المضادات الحيوية مما يسبب الأمراض.
لكن، كيف تأكل البكتيريا المضادات الحيوية التي يُفترض أن تقتلها؟
قد يبدو من الصعب تخيُّل أن الميكروبات تستطيع أن تأكل الأدوية التي يستخدمها البشر للقضاء عليها. ولكن من وجهة نظر البكتيريا، قد لا تكون المضادات الحيوية أكثرَ من مصدر للعناصر الحيوية للحياة: الكربون والهيدروجين والأكسجين والنيتروجين. علاوة على ذلك، فإن معظم المضادات الحيوية التي يصفها طبيبك تُصنع من، أو مشتقة من فطريات وبكتيريا تعيش في التربة. لذلك فمن المنطقي أن هذه الكائنات الحية الدقيقة الترابية الحميدة تتغذى على مركبات الكربون التي تنتجها الميكروبات التي تعيش في التربة، حسب تقرير لترينك كروفت الباحث بجامعة واشنطن.
على مدى السنوات العشر الماضية، كان العلماء في مختبر دانتاس يحقِّقون في كيفية قيام البكتيريا بذلك، ونعتقد الآن أنه تم حل هذا اللغز، بتحديد مجموعة من الجينات المكوِّدة للأنزيمات الضرورية للميكروبات لاستهلاك البنسلين (الذي اكتشفه ألكسندر فليمينغ في شكله الطبيعي في عام 1928). وقد اكتشف العلماء أن تناول الدواء هو عملية من خطوتين، تقوم فيها البكتيريا بنزع الجزء الأول من المضاد الحيوي عن طريق كسر قطعة تسمى “الرأس الحربي β-lactam”. وبدون ذلك، فإن الجزء المتبقي من البنسلين غير ضار، ويمكن استخدامه كغذاء، ويسمح للميكروبات بالازدهار بتركيزات عالية من الدواء. ثانياً، تمزق البكتيريا جزءاً من الدواء، وتستخدم مجموعة متخصصة من الإنزيمات لتكسير الأجزاء بشكل أكبر قبل تناولها. والآن بعد أن فهم العلماء الإنزيمات التي تستخدمها البكتيريا لتعطيل المضاد الحيوي، يمكن تطوير استراتيجيات دفاعية ومقاومة (لمقاومة البكتيريا). وهذا أمر حيوي لأن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تُسبِّب مرضاً شديداً لدى أكثر من مليوني شخص في بلد مثل أميركا، ما يؤدي إلى وفاة أكثر من 20 ألف شخص سنوياً هناك. وهذه العدوى أكثر صعوبة وأكثر تكلفة للعلاج، لأنها تتطلب إقامة طويلة في المستشفى، وهذا يؤدي كل عام إلى خسائر للاقتصاد الأميركي مباشرة بسبب تكاليف العلاج (20 مليار دولار أميركي)، وبشكل غير مباشر بسبب فقدان الإنتاجية (35 مليار دولار).
مقاومة ضد المقاومة، لماذا قد تكون البكتريا سلاحاً قوياً ضد أخواتها؟
كان الفريق البحثي يأمل في النهاية أن نكون قادرين على استخدام النتائج التي توصلنا إليها للحد من أحد الأسباب الرئيسية لمقاومة المضادات الحيوية، وهو: تلوث الأرض والمياه. هذه الموارد الطبيعية ملوثة من خلال مياه الصرف الصحي، التي تأتي من المزارع، حيث يتم تغذية الحيوانات بالمضادات الحيوية لتسمينها، ويتم أيضاً إلقاء المخلفات الصيدلانية أو الصرف غير المعالج بطريقة غير قانونية، خاصة من شركات التصنيع بالجملة في الصين والهند. ويعتقد الفريق أنه يمكننا إزالة هذه الأدوية من خلال المعالجة الحيوية، التي تستخدم الكائنات الحية لتنظيف الفوضى التي صنعها الإنسان. في حين أن البكتيريا التي ركَّزت عليها الدراسة نمت ببطء، عندما تغذَّت على نظام غذائي من البنسيلين (مضاد حيوي)، “فقد نكون قادرين على هندسة أصناف جديدة تقوم بإزالة المضادات الحيوية بشكل أكثر كفاءة، عن طريق سرعة تناول الدواء” كما يقول معدو الدراسة. وكدليل على المفهوم، قام العلماء بقص ولصق جينات من الكائنات الحية الدقيقة في تربتنا، بالإضافة إلى جين تم اكتشافه سابقاً، اعتقدوا أنه ستكون له وظيفة مشابهة، إلى سلالات مختبرية حميدة من بكتيريا E. coli وتحولها إلى ميكروبات تتغذى بالفعل على المضادات الحيوية، حسب تقرير نشر في موقع علمي أسترالي. كان الاكتشاف المثير للاهتمام هو أن تناول البنسلين يتطلب مجموعتين منفصلتين من الجينات للعمل معاً، بدءاً بجين مقاوم للمضادات الحيوية لكسر رأس حربي β-lactam للمضاد الحيوي السام. بدون هذا الإنزيم الحرج، لا تستطيع البكتيريا نزع سلاح المضاد الحيوي ، وبدون الإنزيم المسؤول عن إزالة الحلقة من البنسلين ، لا يوجد ما تأكله البكتيريا. هذا يشير إلى أننا قد نكون قادرين على تصنيع سلالات جديدة من البكتيريا الحميدة لإزالة المضادات الحيوية من البيئة. لكن، هذا لا يعني أن الناس يمكنهم استخدام المضادات الحيوية بحرية، لكنها قد توفر طريقةً آمنة للحد من انتشار مقاومة المضادات الحيوية في المستقبل.